كتب إيليا أبو ماضي عن جميلة لها مَلَاحة عربيّة
أسهَبَ في وصفها حتى بلغ تمامه في قوله:
“قل للغواني إنّها خلقت كَذا / الحُسنُ لا يُشرى ولا يُستجلب”
وكَذا أرى الإلهام، كالحسن لايُشرى ولا يُستَجلَب!
يحظى البعض بكمّ كبير من الموارد المادية و المحفزات المعنوية لأداء مهمة ما والتميّز في تنفيذ عملٍ لا يرِد لذهن أحد من قبل
و قد يعاني البعض الآخر شيئا كثيرا من التقييد والمنع في المساهمة والمساعدة من قِبل الآخرين بحجّة الإعتماد على الذات وإيجاد الموارد من العدم!!
وكل تلك الأحوال التي تتسيّد فيها المادة ويقلّ فيها الإمتاع أو يهيمن فيها الحرمان مع كثرة الإبداع
لا تُصلِح نفس المرء ولا تعوّضها ولا تبنيها حتى و إن صلحت مع البعض
ذلك أنّ معيار هذه النفس الذي تقوم عليه هو “نور الإلهام”، إذ لايتداخل بينه وبين أفئدتنا وعقولنا شيء من عمل المادة أو فِعل البشر!
لله في خلقه شأن وتدبير، ولنا في ذلك تدبّر وتفكير فلولا اختلافنا لما تسامى الناس في ضرورات الحياة و تلاحقت أفكارهم ثم تمايزت.
ونحن إن نُلغي مبدأ هذا التفاوت و التمايز في الإلهام ونقتصره على القدرات والإمكانات المتوفرة
نجد أننا ننتهي إلى إعدام كل موارد التغيير والتجديد الذي طالما بحثنا عنه في أنفسنا
فنقيّدها ونستهلكها في حدود طاقة الآلة فقط!
وهذا الهدر والتعطيل لملَكات العقل والروح يكفي لتعثّرنا في تأهيل أجيال مُلهَمة يمكنها التعرّف على هذا الوحي واستدراكه والعمل على ضوءه.
لو يكون بمقدوري تصنيف أوراق هذا الإلهام لِكَشفه.. لصنّفته وفرّقت أغصانه الكثيرة، لكنه كما أشعر به:
“عَلَمٌ يُحسّ ولا يُرى، وعالمٌ يجيء ولا يُدرَك” !
منّا من تُلهمه : الأصوات والرسائل ، والريح والمطر ، الغياب والعطر وحِراك الشِّعر والشجر !
وهذا مايمكن للمُلهَم تحديده في حين أنه يتعذر على الملهِم تدبيره!
كما هي عادة “العيون” و لغاتها اللامحدودة مع الشعراء خاصة، إذ يستحيل تفسيرها رغم أنها تُلهِمهم -بمهارة- للتعبير عنها!
قد يرِِد لذهن المُلهَم أبعاد الشيء وحدوده وتتمدد رؤيته خلالها فتتملّكه الأداة المُبلِّغة لهذه الرؤية،
في حين أن المُلهِم بيده كل تلك التفاصيل.. لكنه من جنود الفنّ المغلوب على جماله!
من الممكن أن نقرأ المُلهِم في أعذب الكلمات، نراه في أرقّ وأرقى الفنون وذاته المُلهِمة مُغيَّبة أو مستورة أو محسورة في ثوبٍ آخر لايشبهها!
و هذا الإختباء أو التخفّي لهوية المُلهِم هو ما يدفع القُراء المُهتمّين بالفن -بكل فروعه- للسؤال عن مُلهِم الفنان و تتبُّعه في خطوط اللوحة ومسافة الكلمات بين السطر والآخر!
تلك غاية الإحساس بقيمة الفنّ ، كلمة ولوحة ونغما.
ينبغي ألاّ نخجل من فكرة لا تبلُغها الأبصار فتلك عِلّية الإلهام
وألاّ نُحاصِر أذهاننا في أشباهها
فما لأشباه الشيء خطوة ولا حظْوة .
ثم إن العمل بحرية دون تأطير وتدوير للذات خلاله لهوَ أبلغ في الحُسن والإبداع حيث تكون صورة الإنسان الشفيفة الواضحة.
وكما قال ألبرت اينشتاين : “كل ماهو عظيم وملهِم صنعَهُ إنسانٌ عَمِل بحرية “.
*ضوء :
إذا ألهمتَ سَمعك
و ثقّـفتَ عينك
وعرفتَ من أين يتنفس قلبك
سيبدو جمالك رغم كل احتمال.