قراءة لفيلم : منتصف الليل في باريس

midnight-in-paris-2

 

لكثير من الناس.. يبدو الماضي دائماً أجمل من الحاضر. هذه العقدة المسماة بالنستولوجيا تجعل من التفاصيل والأحداث التي عشناها في وقت ماض أجمل من الحاضر، لنعتقد بأن كل السعادة التي كانت من نصيبنا تنتمي إلى الماضي.  يحدث هذا رغم أن كثيراً من هذه اللحظات عشناها بقدر لا يقل عن الملل والقلق الذي نعيش به اللحظة الراهنة. يحدث هذا ربما لأنّ الماضي قد صفينا حساباته من الخوف والترقب ولم يبقى إلا أثر التجربة، وربما لأنّا كنا لحظتها نتطلع إلى المستقبل بتفاؤل أكبر مما نفعل الآن.

هذه الرؤية ليست جديدة أو مبتكرة حتى تصبح قصة لفيلم يستحق الإعجاب، ولكن ماذا عن فيلم يقودك فعلاً إلى الماضي ويجعلك تعيش فيه لتفاجئ بأن الماضي الذي عدت إليه سيتحول فجأة إلى حاضر تحن فيه إلى ماضٍ أسبق.

“منتصف الليل في باريس” فيلم الخيال والرومانسية والطرافة أيضاً يحملك إلى ليال حالمة في باريس حيث تتداخل العصور الذهبية التي عاشتها هذه المدينة تختال بكل العباقرة من كتاب وفنانين ورسامين ممن عاشوا فيها. حيث يجد جيل القادم من كاليفورنيا في عام 2010 فرصة السفر بعد منتصف الليل كل ليلة إلى حقبة زمنية ماضية ولقاء أبرز رموزها أمثال آرنست همنغواي وبابلو بيكاسو وغيرهم ليعيش معهم في عشرينيات القرن العشرين ويلتقي بفاتنة يقع في غرامها تنتمي إلى ذلك العصر والتي تشاركه ذات الحنين إلى الماضي.

ولكن جيل الذي ارتوى شغفه بالماضي لحظة أصبح يعيش في عهد يسبق حاضره بمائة عام، يجد فتاته التي التقاها في حاضرها تحن إلى العودة إلى ماضي أبعد. إلى نهايات القرن التاسع عشر، لتتركه وتفضل العودة إلى الماضي.

لم أحرق أحداث الفيلم عليك إن كنت ترغب في المشاهدة فهذا الفيلم لا تتم مشاهدته بحثاً عن أحداث بقدر ما هي لذة الغوص في فلسفة النستولوجيا والتمتع بالمشاهدة الفريدة لباريس بعد منتصف الليل.

ما هو الماضي إذاً؟

إذا كانت تلك الهاوية السحيقة من خط الزمن كلها ماضي وتضيف إليها مع شروق شمس كل يوم رصيداً إضافيا، فأي نقطة من الماضي ستختار إذا استطعت استخدام آلة للزمن.  ولماذا يبدو الحاضر دوماً زهيداً يحتاج إلى أن يعتّق كالنبيذ ليصبح ذا مذاق شهيّ في كأس الذكريات. والسؤال الملح الذي يطرح في نهاية الفيلم: لماذا يبدو كل جيل متهماً بأن سابقه كان الأفضل رغم أن الحضارة البشرية تمضي نحو مزيد من الازدهار مع تقدم خط الزمن وليس العكس.

إن حالة التفضيل للماضي رغم أنه حين كان حاضرا ً في وقت ما لم يكن أكثر من روتين ممل هي متلازمة بشرية. حسناً تعال إلى الماضي مع هذا الفيلم لتكتشف أنك فجأة عدت إلى حاضر سابق تبدأ معه التطلع إلى ماضي آخر وتلتقي جيلاُ مثلك يحن إلى الذي سبق ويتهم بأنه أسوأ.

يجمع الفيلم عدداً من رموز الثورة الفكرية في أوروبا مع كاتب من الألفية الجديدة يفارق خطيبته من أجل حبيبة من الماضي حين يصل إليها تتركه من أجل ماض أبعد. أنصح بمشاهدته.

هادي فقيهي

%d