محمد فارع

مساحة بيضاء للفن وأهله

الشيبُ يميّز مظهره، وكأن الفنّ لا يفتكّ يُذكرنا باستمرار؛ أنّه لابد من ترك أثر يربط تلك العلاقة بينه وبين الفنان نفسه. هذا هو انطباعنا الأول عنه، ثم أظهر لنا ابتسامته التي كانت تتحدث عنه قبل أن تنطق حروفه. وكلّ هذا بداية مشوّقة، لمعرفة ما سيقوله؛ ورؤية ما سنشاهده.

 

بعد جولة في مرسمه الأنيق، وبين عالمه المختلف.. حدّثنا عن مرحلة الطفولة، وكيف أن أستاذ التربيّة الفنيّة في تعليمه الابتدائي بمدينة أبها -الذي كان فنانًا تشكيليًا-، وأنه كان يأخذهم خارج سور المدرسة ليشاهدوا المناظر من بعيد؛ ثم يطلقوا العنان لخيالاتهم حتى تعبّر، ولأفكارهم حتى تثمر.

 

 

 

 

بعد سنوات قليلة، حقق الطالب محمد فارع المركز الأول على مدارس منطقة عسير في الفنّ التشكيلي، وأهداه مدير المدرسة حينها “ساعة” امتنانًا لتميّزه، وتلك الساعة كانت دقائقها؛ تخبرنا عن بدء اللحظات الفاخرة، لموهبة ستحدث فارقًا فيما بعد، وهو ما تحقق بفضل الله.

 

حدثنا بعدها عن القيمة التي أضافتها الأندية الرياضيّة في صقل موهبته، لقد كانت تضجّ بالدورات التدريبيّة والفرص التأهيليّة، بالإضافة إلى مسرح المفتاحة؛ وبرامجه الزاخرة، فقد أتاحت فرصة الالتقاء المباشرة مع الفنانين، من داخل المملكة وخارجها.

 

 

 

نضوج الموهبة أدّى إلى مشاركات عالميّة للأستاذ محمد فارع، فقد مثّل المملكة العربيّة السعودية في عشرات الدول، ويُؤكد أن ردّة الفعل من خلالها هي الأكبر، فالنّاس في البلدان المتقدّمة تقدّر الفنّ كثيرًا؛ وتنتقد الأعمال وتجيد قراءة معانيها، وزاد من هذا بيعه لعدد من أعماله على أفراد من بريطانيا وألمانيا والإمارات، وأن أعماله باتت سفيرًا للفنّ السعودي، وهو ما يزيد من الشغف لديه.

 

يرى الأستاذ محمد أنّ قيمة اللوحة من قيمة الفنان؛ والعكس صحيح، وأن الفن حالة إبداع وتُقتنى للترف. مؤكدًا أن الفنان هو الصورة المشرقة للمجتمع، فأعماله لا تحتاج إلى ترجمة؛ ويفهمها الجميع. وخصوصيّة الفن السعودي وارتباطه بالبيئة أعطته أهميّة إضافيّة.

 

وعن عدم انتشار اللوحات المقتناة محليًا، أرجع هذا الأمر إلى قلّة المتاحف ممّا غيّب قيمة الأعمال الفنيّة لدى الناس، ووسائل الإعلام التي لا تعرّف الجمهور بها، ثم أشار إلى أهمية دور مهندس الديكور في تغيير النمط السائد، وأنّ الربط بينهم وبين الفنانين سيعيد الحراك الفنّي إلى المجتمع.

 

 

 

 

 

 

 

تعجبه المعارض المفاجئة والدائمة، فالمعارض العالمية تواريخها معروفة وسنوية، وتجعل روّادها يتوافدون باستمرار، ويرتبّون جدولهم حسب مواعيدها، بينما المعارض الدائمة فهي متاجر مادية أكثر منها فنيّة، ولا تقدّم القيمة المضافة للفنان، من تعريف ونشر ومشاركات، على العكس من التجارب الخارجيّة في هذا الجانب، ويقترح الفنان “محمد فارع” إعادة تنظيم العلاقة بين الفنان وهذا المعارض؛ بعقود تحمي جميع الأطراف.

 

هناك فجوة بين الفنان والمشتري، جعلت المقتنين يتجهون للفنانين من دول أخرى، رغم تفاؤله بالفنّ السعودي وأنه سيكون الأول في الشرق الأوسط خلال سنوات قليلة بإذن الله، مشيرًا إلى أن الفنان الحقيقي هو الذي ينطلق من الموروث المحلّي.

 

 

 

 

 

أمّا أمنياته فكانت السماح بالتصاريح الرسميّة لزيارة المعارض المنزليّة، والتي ستضيف قيمة فنيّة للبلد؛ وسياحيّة أيضًا، وأن تكون هناك شهادات توثيق فنيّة، لرفع قيمة العمل الفني ومصداقية للفنان، وحفظ لتاريخ الفن في السعودية.

 

 

نص وحوار : تركي الخلف
صورة ورؤية : ناصر سعد

 

 

 

 

 

0%