نص: رند نصار
تصوير: راشد السبيعي – مشاري الدوسري
” حي الله أبو محمد” هكذا يرحب أخلّائه به عندما يقدِم بسيارته القديمة صباحات الجمعة المبكرة ضمن تجمع السيارات الكلاسيكية المعتاد في الرياض، فيردّ ترحيبهم له بابتسامته البشوشة.
حظينا أن يستضيفنا أبو محمد بمنزله ليُطلِعنا على بعض تاريخ حياته المليئة بالقصص والتجارب، طفولة الستينات وشباب السبعينات والثمانينات وتحمل المسؤوليات بعد ذلك.
ولأن المقتنيات وحدها هي ما توثق وتثبت تعايش حقبات مختلفة من الزمن، يجدر بها ألا تصنّف من الجمادات أبدًا.
لو تأملت بها وسألتها، ستجدها تتحدث بلسان سكت طويلًا، لينطق بكل ثمين وصادق وحقيقي.
السيد سليمان المرزوقي،من مواليد١٩٥٩م .درس الصيدلة في جامعة الرياض (جامعة الملك سعود حاليًا)، وكذلك الطب في جامعة الملك فيصل، ولكنه لم يوفق، لأنه يعشق دراسة العمارة والتخطيط التي لم تمكنه عمادة القبول والتسجيل منها ،فقد نحبّ ما ليس لنا أحيانًا. كل العبرة بالدروس التي تكمن خلف كل تلك الخبرات.
ساقته الأقدار أن يدرس المحاسبة في كلية الاقتصاد والإدارة بجامعة الملك عبدالعزيز ويتخرج عام١٩٨٤م
اهتمّ بتوثيق كل مراحل أبنائه، بأعمارها المختلفة لاسيما سنّ الطفولة البهيج عبر أشرطة فديو وصور فوتوغرافية، فهو يرى بأن ذلك مهمّ ٌ للغاية لتربيتهم مستقبلًا. فقد كان يحتفل معهم بطريقته الخاصة، من سنة لأخرى وحتى مرحلة شبابهم ويبدأ بعرض المقاطع التي صوّرها لهم عبر سنينهم السابقة، والتي من شأنها أن تعبر لهم عن نبذة من كل عناءٍ وتعب وكلل أمضاه بتنشئتهم.
لو اطّلعتَ على مقتنياته لكانت أول كلمة تطرأ في ذهنك هي “متحف”
تختلف أشياؤه بين حقبة زمنية لأخرى، فكل هدية وصلته، أو قطعة أصرّ اختيارها من بين قطع عائلية يحتفظ بها منذ وقت طويل، لكن ما لا اختلاف فيه هو أن كل واحدة منها لا بدّ أن تخفي قصة وراءها. لا شيء موجود لديه دون سبب أوهدف. لا شيء عبثيّ لدى المرزوقيّ.
آلات كتابة منذ ١٩٨٣م كانت تعتبر حديثة آنذاك، اشتراها بنفسه. جهاز مشغّل مقاطع الڤيديو من شركة Sony، أول ما بدأت هذه الأجهزة بالصدور عام ١٩٧٥م الأمر الذي جعل قيمة أسعارها تصل٢٥ ألف ريال. ظهر نوع منها يعتبر حساسًا شيئًا ما في مقاومته للغبار، ولك أن تتخيل توقف المقطع فجأة عن العرض وأنت في أوج حماسك. هذا النوع انخفض سعره إلى ١٨ألف. بعده جاء نظام البيتاماكس ـBetamax من نفس الشركة، في ذلك الوقت كانت أسعاره تتراوح ما بين ال٤٥٠٠- ٥٠٠٠ريال، فانخفاض السعر يعود للمنافسة بين الشركات المنتجة ثم جاء جهاز الـ في اتش اس VHS، عمليٌّ جدًا، تعدى سعره الألفين بقليل.
لا يزال يمتلك الكثير من أجهزة الراديو المختلفة شكلًا منها الانسيابي والمستطيل والمربع، وأسلوبًا من المصندق وآخر يرافقه مشغل اسطوانات موسيقية. اقتنى الأقدم من بينهم من طراز عام 1935م. واقتنى الجهاز الفريد وقتها قبل 35 عامًا ، والذي يجمع ثلاث ميزات في آن واحد –راديو وبيانو ومشغل أشرطة- يتيح لمستخدمه التحكم بمؤشرات صفاء وقوة الصوت.
مجيئًا لعالم الأشرطة، جهاز الـ double cassette منذ 1404هـ يعتبر سابقًا لعصره، إذ كان يشبّه ذلك الوقت بعالم أزرار اللمس touch الآن، نظرًا لأزرار تحكمه الصوتية. يظهر اللون الأحمر أثناء التسجيل ويتحكم به يمينًا ويسارًا. كانت إحدى السبل في التواصل والتراسل قديمًا، يسجل البشر أخبارهم وقصصهم عبر شريط ليتم إرساله للأصدقاء والأهل.
من مقتنياته أيضًا، خرّامة حديدية تعود لوالده من عهد الملك سعود –رحمهم الله- عمرها أكثر من ستين عامًا، هاتف منزلي يسجل المكالمات والرسائل في حال غياب صاحبه ولمدة عدة أشهر، كما يحتفظ بمحمول موتورولا Motorola كان يعتبر أرقى من أجهزة الNokia نظرًا لأزراره البارزة كما يقول. وآلة حلاقة لوالده أو “ماكينة تنعيم” كما يصفها، بيضاء اللون مع صندوقها الحافظ عمرها أكثر من خمسين عام، ومجموعة ساعات جلدية عتيقة، كُتب على إحداهنّ سورة الإخلاص عمرها ثلاثة وأربعون عام وحقيبة من الجلد مليئة بالمشاعر الجميلة، بها أدوات وأواني منزلية عديدة منذ 1954م أي أن عمرها ما يقارب 67 سنة، صحون خضراء مغطاة بالصحف المصفرّة الثمينة قدرًا- لتحميها من الكسر- كونها تعود لتجهيزات زواج أمه –حفظها الله- كانت تستخدمها خلال يومها وطهيها إلا أنه حرص على إخفائها ليحافظ عليها طويلًا.
يظهر حسّ السيد سليمان الفني في دفاتر تصَفّحها لنا، مجموعة صور لسيارات المجلات بأعدادها الكثيرة، كان يجمعها ويقصها ثم يلصقها بشكل مرتب ومنسق. Nissan 260z بنية، Chevrolet impala 72 زرقاء، وغيرها الكثير.
أما عالم السيارات الذي من خلاله حصلت لنا هذه الفرصة بالدخول لعالمه الكلاسيكي، فلقد حدّثنا عن سيارته التي اشتراها في سنته الجامعية الثانية، Chevrolet بنية اللون منذ 1982م، لم تكن لوحات السيارات آنذاك تحمل حروفًا، مجرد 7 أرقام، بعدها دخل مزيج الحروف بالأرقام. بقيت في كراجه محفوظة مدة 9 سنوات، من 1430-1439هـ إلى أن قرر إخراجها العام الماضي.
بعيدٌ قليلًا عن الأجهزة والسيارات، ثمة مصاحف قديمة قبل بداية تاريخ طباعة المصاحف في المملكة، يتعدى عمرها المئة عام، صدرت سنة 1323هـ وأخرى 1381هـ . “تم تصوير هذه المصاحف الشريفة وإعدادها وتجليدها في مطابع شركة الإعلانات الشرقية بالقاهرة 1381هـ” لا تزال بالحفظ والصون بين رفوفه.
” كل شخص يستطيع صناعة تاريخه بنفسه” هكذا يرى أبو محمد أبعاد كل مقتنى حصل عليه مهما صغر أو كبر، حجمًا أو عمرًا. لا بد للإنسان أن يحتفظ بأشيائه ومقتنياته إذ سيأتي يوم وتصبح كل منها قطعة نادرة كلاسيكية لا يملكها غيره، تحكي قصةً، وتعكس شعورًا..ولو بعد دهر.
لم يكن مجرد متحف، كان تاريخًا بأكمله.
الأستاذ سليمان المرزوقي @sulieman1985
نص | رند نصار @randodehnassar
تصوير| مشاري الدوسري @meshari_d راشد السبيعي @irashedz
يجب عليك تسجيل الدخول لكتابة تعليق.